سؤال وجواب عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في محاربة القلق والوساوس والاكتئاب



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


كما نعلم أن ديننا كاملٌ وتام، والحمد لله الذي أعزنا وأكرمنا بالإسلام، وسنة سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم هي المنارة التي نقتدي وبها نهتدي، ونمضي في كل الأمور كما علمنا صلى الله عليه وسلم حتى في قضاء الحاجة.


وما أريده منكم هو تسليط الضوء - وبشكل مفصل ودقيق - عن سنته صلى الله عليه وسلم في محاربة القلق والاكتئاب، وأنا أعلم أن الضعف هو الذي يؤدي لذلك، وحاشاه صلوات الله عليه من العيب، ولكن نحن في هذه الأيام نحيا في أزمات وأوضاع سيئة وصعبةٍ طغت فيها الماديات على كل شيء، وقلَّ اللقاء وربما اختفت بعض العلاقات، وأصبح المجتمع متفككاً، والإنسان كالآلة، وعليه كثرت الأمراض النفسية والأوهام والوساوس والخوف من الموت والجلطات وارتفاع الضغط والأمراض المعدية والخطيرة، وأنتم أعلم منا وتعرفون الأوضاع الحالية أكثر مني.


وعليه؛ أريد سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في محاربة ذلك، وكيفية القضاء على الغم والهم والقلق والاكتئاب والوساوس، وبالتأكيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشدنا وعلمنا، وكان صلى الله عليه وسلم يعلم ويدرك وقتنا وما سيحدث فيه، فما العمل وما السبل؟


أريد حلولاً عملية واقعية ودون مثاليات وصعوبة، أريد أن يغمر الإيمان قلبي فلا يترك مكاناً للضعف وما سينتج عنه، وها أنا مثال على الشباب الملتزم المعتز بدينه والحمد لله ولكن عانيت جدا جدا من القلق والوساوس والاكتئاب وتشنج القولون بسبب ذلك، فكيف أهزم كل هذا وأنتصر وأطبق سنة سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم لأسلم ونفسي في الدنيا والآخرة، ولا حول ولاقوة إلا بالله.


الاجابه 

بسم الله الرحمن الرحيم 
الأخ الفاضل/ صالح حفظه الله. 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،، 

فإننا أمام شابٍ هو بحمد الله تعالى عظيم الثقة بربه .. عظيم الثقة بكمال دينه .. فإنك معتز بدينك موقن بأن هذا الدين العظيم قد اشتمل على كل ما فيه صلاح العبد في دينه ودنياه، وإن هذه المقدمة التي بدأتَ بها تدل بحمد الله تعالى على إدراكٍ عميق لعظمة هذا الدين، وأن من أخذ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم فقد أخذ بأحظ الحظوظ وأعظم المنازل وسلم قلبه من جميع الأمراض، فإن الله جل وعلا قد بيَّن في كتابه العزيز أن الأمراض على قسمين: مرض في الأبدان، ومرض في القلوب، فالأول معلوم ومنصوص عليه في مواضع من كتاب الله العزيز، ومع هذا فقد بيَّن جل وعلا في كتابه العزيز أصول شفاء الأبدان، وأنها ثلاثة أصول:

(‌أ) حفظ الصحة.

(‌ب) استفراغ المادة المؤذية.

(‌ج) الحمية عمَّا يضر الصحة.

وهذه الأصول الثلاثة هي أساس طب الأبدان، وقد أشار إليها جل وعلا جميعاً في مواضع من كتابه العزيز، وليس هذا مجال بسطها.

وأما طب القلوب ودواء النفوس فإن الله جل وعلا أشار إلى هذا المرض بقوله {فيطمع الذي في قلبه مرض}، وقال جل وعلا: {في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً}، فالأول مرض الشهوة المحرمة، والثاني مرض الشبهة والشك. وهذه أصل أمراض القلوب، فإن القلق والوساوس والخوف الزائد المنحرف من الأمراض والموت والفزع كل ذلك مرده إلى ضعف اليقين وضعف القرب من الله تعالى. 

وسبب ذلك إما غلبة الشهوة المحرمة على القلب، وإما ورود الشبهة أو ضعف اليقين. 

إذا عُلم هذا؛ فإن علاج جميع الأمراض النفسية - كلها وبلا استثناء - لا يتم على الوجه المستقيم الصحيح إلا من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم، ونود أن نسوق في هذا المقام كلاماً عظيماً جليل القدر قرره الإمام أبو عبد الله بن القيم – رحمه الله تعالى – في هذا المعنى، فقال: (فأما طب القلوب فمسلم إلى الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، ولا سبيل إلى حصوله إلا من جهتهم وعلى أيديهم، فإن صلاح القلوب أن تكون عارفة بربها وفاطرها وبأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه، وأن تكون مؤثرة لمرضاته ومحابه، متجنبة لمناهيه ومساخطه، ولا صحة لها ولا حياة البتة إلا بذلك، ولا سبيل إلى تلقيه إلا من جهة الرسل، وما يظن من حصول صحة القلب بدون اتباعهم فغلط ممن يظن ذلك، وإنما ذلك حياة نفسه البهيمية الشهوانية، وصحتها وقوتها، وحياة قلبه وصحته وقوته عن ذلك بمعزل، ومن لم يميز بين هذا وهذا، فليبكي على حياة قلبه، فإنه من الأموات، وعلى نوره فإنه منغمس في بحر الظلمات) انتهى بلفظه.

ثبت بذلك أن علاج الأمراض النفسية إنما يكون من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي بيّن علاج جميع أمراض النفوس، بل إن الدين ما جاء إلا لشفاء هذه النفوس من كل ما يعتريها من الأمراض والعوارض التي تضرها، فأصل شفاء النفوس راجع إلى هذه الشريعة الكاملة التي فيها ما يقتلع ويجتث أصل الوساوس والقلق والهم والحزن والكآبة والاكتئاب وضعف الثقة بالنفس والرهبة من العوارض أو الاجتماع وغير ذلك، ولذلك كانت أسلم القلوب هي قلوب الصحابة رضوان الله عليهم ومن سار على طريقهم ممن هداه الله وشرح صدره.

واصطلاح الشريعة في سلامة النفس من جميع الأمراض يقع التعبير عنه بانشراح الصدر تارة وبسلامة القلب تارةً أخرى كما قال جل وعلا: {يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم}، وقال تعالى: {أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله}، وقال تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعَّدُ في السماء}.

ولذلك كان المنبع الصافي في علاج أمراض النفس جميعها من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما النظريات النفسية التي أصل وضعها في العصر الحديث والقديم من الأمم الغابرة فهذه النظريات منها ما هو حق، ومنها ما هو باطل، وما كان منها من حق ففي الدين وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ما يغني عنه، وأما الباطل فكثير لا يحصى، ولذلك تجد الاضطراب البيِّن في تقرير من الظواهر النفسية التي هي من صميم علم النفس كظاهرة الأحلام مثلاً، فإن جميع من تصدى لتفسيرها وبيان حقيقتها من هؤلاء المتكلمين في الأصول النفسية بدون الرجوع إلى أصل الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم قد اضطرب اضطراباً بيِّناً كما وقع لفرويد في تفسيره لظاهرة الأحلام التي هي من أهم مجالات البحث النفسي، حيث صنف فرويد كتاب تفسير الأحلام ووضع نظريته فيها التي جعل فيها أبرز القوى الحافزة للأحلام هي رغبات جنسية طفولية كامنة في النفس، فجعل أكثر اهتمامه إلى القدرات العقلية التي تعمل على تعويض مظاهر الأعضاء الجنسية والنشاطات الجنسية بوجه عام!!. 

ثم بيَّن تلميذه كارل غوستاف يونج c.ggyng تهافت نظريته، وحاول أن يُوجد نظرية أقرب إلى الواقع وسميت نظريته بـ (نظرية ينج في تفسير الأحلام)، ثم بعد ذلك اعترف بالعجز الكامل والإخفاق المطلق في الوصول إلى تفسير ظاهرة الأحلام، فقال مسلِّماً لهذا العجز الكامل: "ليس لدي نظرية عن الأحلام، فلا أعرف كيف تنشأ الأحلام، وإني تماماً لفي شك فيما إذا كانت طريقتي في معالجة الأحلام تستحق حتى تسميتها بطريقة ... إلى آخر كلامه". فهذا من إنصافه ورجوعه إلى الحق، فإن كل من أراد أن يفسر ظواهر نفسية دون الرجوع إلى أصل الدين المعصوم المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا بد له من أن يضطرب ويخلط في كلامه، ولا يصل إلى النتيجة الصواب في أكثر كلامه لأنه يتناول أموراً غيبية أو أموراً تتعلق بشفاء الأنفس الذي لا يمكن أن يكون إلا من جهة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم.

والمقصود أن ترى مثالاً للاضطراب في الكلام في حقائق النفس وشفاءها إذا التمس ذلك من غير جهة هذه الشريعة الكاملة التي ما جاءت أصلاً إلا لتخليص النفوس من أدرانها والمواد الفاسدة التي تفسدها والتي أعظمها الشرك بالله ثم بعد ذلك سائر الأمراض النفسية من القلق والهم والرهبة المرضية والوساوس المقلقة وغير ذلك من أدواء النفوس.

وأما عن علاج القلق والمخاوف والوساوس فهذا بحمد الله تعالى قد بسطنا الكلام فيه في غير هذا الموضع، فيمكنك الرجوع إلى أرقام الاستشارات التالية والاستفادة منها - مع ملاحظة أنه قد روعي أصل طلبك وهو أن يكون الحل عملياً ممكناً بعيداً عن الفروض والمثالي -  
ونسأل الله عز وجل أن يجزيك خيراً على هذا السؤال القيم الذي يدل على حسن فهمك وتمام عقلك، وأن يثبتك على دينك، والشبكة الإسلامية تتمنى دوام مراسلاتك ومشاركاتك.

وبالله التوفيق.


جديد قسم : الروضه

إرسال تعليق