كيف تكتب الملائكة الهم الذي يهمه المرء ولا يظهره ؟



بسم الله الرحمن الرحيم
===
كيف تكتب الملائكة الهم الذي يهمه المرء ولا يظهره ؟ 

===
الشيخ الدكتور/ سفر بن عبدالرحمن الحوالي


من درس: أصناف الملائكة والأعمال الموكلة بهم

===

سئل عن قوله صلى الله عليه وسلم: {إذا هم العبد بالحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة... } رواه البخاري ومسلم الحديث.

فإذا كان الهم سراً بين العبد وبين ربه، فكيف تطلع الملائكة عليه؟



فأجاب رحمه الله: "الحمد لله، قد روي عن سفيان بن عيينة في

جواب هذه المسألة قال: [إنه إذا همَّ بحسنة شمَّ الملك رائحة طيبة، وإذا هم بسيئة شم رائحة خبيثة ]. 

وهذا أحد الأجوبة،
وهو أن الملك لا يعلم وإنما يشم،

فإذا هم العبد بعمل صالح شم الملك رائحة طيبة،

ولعل مما يؤيد تصور بعض السلف أن للحسنات والسيئات روائح،


ما أثر عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: [لو أن للذنوب رائحة لما جالسني منكم أحد ]، وهذا من تواضعه رضي الله تعالى عنه،

وفي ذلك يقول أبو العتاهية :

أحسن الله بنـا أن الخطايا لا تفوح

فإذا المستور منا بين ثوبيه فضوح

أي: لو كانت روائح الذنوب تظهر، لما استطاع أحد أن يجالس

بعض الناس، وهذا ابن مسعود يقول هذا الكلام، فكيف بأصحاب


الفجور والشرك والخمور والزنا والربا؟

لكن من إحسان الله بنا أنه

لم يجعل للذنوب روائح، وإلا لكان الذي يرى مستوراً بين ثوبيه

مفضوحاً عند الناس، نسأل الله أن يرحمنا وأن يسترنا في الآخرة كما سترنا في الدنيا.



قال شيخ الإسلام :

"والتحقيق: أن الله قادر أن يعلم الملائكة بما

في نفس العبد كيف شاء، كما هو قادر على أن يطلع بعض البشر على ما في الإنسان"،

وقد أطلع النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً

على ما كان يضمر له بعض أعدائه، فالله قادر على أن يطلع من

شاء على ما يشاء سبحانه وتعالى،

يقول: "فإذا كان بعض البشر

قد يجعل الله له من الكشف ما يعلم به أحياناً ما في قلب الإنسان،

فالملك الموكل بالعبد أولى بأن يعرفه الله ذلك"، أي أن الملك أولى

من الذين قد يطلعهم الله سبحانه وتعالى -كرامة منه- أن فلاناً ينوي كذا.



قال: "وقد قيل في قوله تعالى: "وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ "[ق:16] أن المراد به الملائكة".



وهذه الآية يحتج بها الحلولية ، ومن ينكرون علو الله تعالى، وليس

لهم فيها حجة؛ لأن قوله تعالى: "وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ "[ق:16]
فيه قولان:
إما أن يتعلق بما قبله، وإما أن يتعلق بما بعده،
فإذا تعلق بما قبله كان المعنى:

ونحن أقرب إليه بعلمنا؛ لأنه قد ذكر العلم في أول الآية، قال تعالى: "ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه"،

وهذا من حيث المعنى وجيه وواضح، لكن المعنى الآخر من حيث اللغة أوجه؛

وذلك لأن الظرف يتعلق بأقرب مذكور،
قال تعالى: " وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ "[ق:16-17]،

فالظرف وهو (إذ) متعلق بـ(أقرب)،
فيكون المعنى: ونحن أقرب إليه من حبل الوريد بملكينا (الملتقيان) أي: اللذين يتلقيانه.



قال شيخ الإسلام : "والله قد جعل الملائكة تُلقي في نفس العبد الخواطر، كما قال عبد الله بن مسعود -وهذا صحيح وثابت عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه،

ولو قيل: إن له حكم الرفع لكان وجيهاً:

{إن للملك لمة، وإن للشيطان لمة، فلمة الملك تصديق بالحق ووعد بالخير، ولمة الشيطان تكذيب بالحق وإيعاد بالشر } الترمزي النسائي في الكبرى وابن حبان من حديث ابن مسعود"،وهذا الأثر له شاهد في قوله تعالى: "الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ "[البقرة:268] فإن الإنسان عندما يهم بالحسنة فإن ذلك من

لمة الملك، إذاً هو يعلم بالحسنة؛ لأنه هو الذي دفعه إليها وأثارها في نفسه.

يقول: "وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال: {ما منكم من أحد إلا

وقد وكل به قرينه من الملائكة، وقرينه من الجن. قالوا: وإياك يا

رسول الله؟ قال: وأنا، إلا أن الله قد أعانني عليه، فلا يأمرني إلا بخير }
 رواه مسلم" .
وفي رواية أخرى: { إلا أن الله أعانني عليه فأسلم }رواه مسلم وأحمد،

والمعنى إما أن يكون:
فأسلمُ من شره، ولا يأمرني إلا بخير،

أو ما ذكره بعض الشراح فقالوا:

أسلمَ أي: آمن ودخل في الإسلام، ولذلك فلا يأمر إلا بالخير؛ لأنه

مسلم وإن كان شيطاناً، ويكون هذا مستثنى من عموم الشياطين

الذين أصل طبيعتهم الكفر، كما أن أصل طبيعة الملائكة الطاعة.

يقول رحمه الله:
"فالسيئة التي يهم بها العبد إذا كانت من إلقاء الشيطان، علم بها الشيطان"،

والشيطان لا يعلم الغيب، لكنه يجري من ابن آدم مجرى الدم، وقد

زين له المعصية، فعلم حينئذٍ أنه هم بها؛ ولهذا يشجعه ويحثه على

فعلها، ولأنه يجري مجرى الدم، فيعلم أن الإنسان يريد أن يفعل

الخير فيثبطه عنه، كما يقول له عند صلاة الفجر: نم، عليك ليل

طويل، فينام حتى لا يصلي الفجر جماعة.



وهذه هي حقيقة الصراع، لا كما يقول الشيوعيون وأمثالهم:

إن الكون مبنيٌّ على الصراع الطبقي أو التضاد، وهو موجود،

لكن حقيقته أنه بين الملائكة والمؤمنين أهل الحق من جهة،

وبين
الشياطين والفجار الذين هم حزب الشيطان من جهة أخرى،

فالصراع قائم بينحزب الله وحزب الشيطان،

في النفس وفي الواقع.



هذه هي حقيقة الصراع، والنفس الإنسانية ميدان للصراع، ولذلك

فصاحب النفس اللوامة، وهي التي لم تتمحض لأحدهما،
إذا غلبه الشيطان واستحوذ عليه، عاد فلام نفسه،

أما الفاجر صاحب النفس الأمارة بالسوء،
فيكفيه شيطان واحد
يأمره وينهاه، وهو في يده كالبهيمة في الحبل يجره كما يشاء، وهذا هو الذي تمحض للشيطان -عياذاً بالله- واتبع هواه،

وأما صاحب النفس المطمئنة، فلا يملك الشيطان عليه إلا الوسوسة، كما قال صلى الله عليه وسلم: {الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة } رواه أحمد وابن حبان.

إذاً: الصراع قائم عند صاحب النفس الأمارة بالسوء.. يذهب

فيصلي، ثم بعد ذلك يعصي الله تعالى.. يحضر حلقة من حلقات

الذكر، أو يقرأ كتاباً من كتب الحق، وبعدها يقرأ مجلة خليعة، أو

يتابع مسلسلاً خبيثاً.. وهكذا،

فلمة للملك ولمة للشيطان، وتمده مادتان:
مادة الخير ومادة الشر،
فأيهما غلبت عليه فهو لها في النهاية،

ومن هنا كان الواجب علينا أن نتعاهد قلوبنا وأعمالنا بتقوى الله

سبحانه وتعالى، والإيمان به، وأن نستحي من هؤلاء الملائكة

الكرام، وألاَّ نجعل الله سبحانه وتعالى وملائكته الكرام أهون

الناظرين إلينا، فإن البعض يجعل الله تعالى عند ارتكاب المعصية

أهون الناظرين إليه، وهذا من ظلم ابن آدم وجهله، أنه في حال

المعصية لا يكون مستحضراً عظمة الله سبحانه وتعالى، ولم يوقر


الله، ولم يقدره حق قدره في تلك اللحظة، ولهذا ففي لحظات

الإيمان لا تخطر على باله تلك المعاصي، إنما تخطر عليه في لحظات الضعف،

ولذلك وجب عليه أن يتعاهد نفسه وقلبه، ويتعاهد إيمانه، ولا

يجعل ربه سبحانه وتعالى أهون الناظرين إليه.

جديد قسم : الروضه

إرسال تعليق